مواقع التواصل الاجتماعي وإشكالية اللغة

[ad_1]

تعلمت اللغة العربية ضمن أبناء جيلي على أصولها، وأدركنا جمالها ووفرة وعظمة الإرث الذي تركه لنا الأولون من خلالها، في الفلسفة والعلوم الإنسانية، وفي الأدب بكل أجناسه. زاد وعينا بأن لغتنا العربية لغة راقية، وثرية بالمفاهيم والمفردات مع تعدد القراءات، ويكفي أنها لغة القرآن الكريم، وعليها إقبال خارج الرقعة العربية، فرضت حضورها واستفاد من كنوزها علماء العالم. لكن مع جيل الواتس أب، ومواقع التواصل الاجتماعي، تغيرت الأمور، فباتت ملامحها تضيع كلغة للتواصل، وبرزت لغة جديدة هجينة، لا هي عربية ولا هي فرنسية أو إنجليزية سليمة، لغة لقيطة لا طعم لها ولا لون، فاقدة لأي جمالية، نطقها عربي وحروفها لاتينية، تضاف إليها رموز بالأرقام، اخترعها الشباب والمراهقون، لكتابة الرسائل، فانتشرت فيما بينهم بشكل غير متوقع، حتى أضحى أغلبهم في الوقت الحالي، غير قادر على تحرير موضوع بلغة عربية سليمة، وحتى وإن فعل فإن النص يكون مليئاً بالأخطاء اللغوية، فتمادوا في استعمال هذه اللغة الغريبة، التي لا تشبهنا ولا تنتمي إلينا، لغة بهوية ضائعة، والكارثة أنها بدأت تنتشر حتى بين الكبار.  فهذا الاختراع، عمّق من مشاكل المجتمعات العربية في التعامل مع اللغة الأم، ورفع من نسبة العزوف عن الكتاب.
الأجيال التي تعودت على قراءة عربية سليمة، غالبيتها لم تستوعب هذا الاختراع الجديد، الذي لا يمكن اعتباره إلا هجمة شرسة على لغتنا الجميلة، وإفراغها من محتواها، بل هدمها واستبدالها بلغة تواصل نتمنى ألا يكتب لها العيش طويلاً، لا أصول لها، ولا مصادر ولا تاريخ. لذلك يبقى دور المدرسة، فيما حصل للغة، مهم جداً، وأيضاً الأسرة عليها مسؤولية تحبيب الأبناء باللغة، وتشجيعهم على تعلمها على أصولها، خاصة عبر القراءة حتى لا تفقد توهجها.
في الماضي، لم يكن للواتس أب ووسائل أخرى للتواصل أي وجود، فكانت وسيلتنا الوحيدة، هي الرسائل المكتوبة التي يحملها ساعي البريد حيث ننتظرها لأيام بشوق للرد عليها، كان أغلبها عبارة عن قصائد ونصوص عربية ممتعة غاية في الجمال والرقة. كان الجميع يجتهد في إيجاد كلمات بليغة، ليكون نص الرسالة قوياً ومؤثراً يليق بالمتلقي وأيضا المرسل. إلا أننا فقدنا اليوم هذه المتعة، بعد أن كانت فرصة استدراج ما تعلمناه وقرأناه، واختزنته ذاكرتنا من كلمات ومعانٍ، وفرصة للارتقاء برصيدنا اللغوي.
اليوم نقف عند مفترق طرق حول مصير لغة عربية تربينا عليها وظلت لعقود محافظة على قوة حضورها، على الرغم من دراستنا للغات أخرى. لم يعد أمامنا خيارات متعددة، فإما أن ننتشل النشء من غياهب لغة لقيطة، وننقذ ما يمكن إنقاذه، وإما سنخسر حملة مشعل هذا الإرث العظيم الذي أهدانا أعمالاً عظيمة أثرت فينا وفي حياتنا.  
 


[ad_2]
رابط المقالة من المصدر على موقع سيدتي: مجلة سيدتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى